الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج
. فَصْلٌ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا: فِي وَقْتِ الْأُولَى (وَتَأْخِيرًا) فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ (وَ) بَيْنَ (الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كَذَلِكَ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ: وَكَذَا الْقَصِيرُ فِي قَوْلٍ فَإِنْ كَانَ سَائِرًا وَقْتَ الْأُولَى فَتَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ وَإِلَّا فَعَكْسُهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ سَائِرًا وَقْتَ الْأُولَى فَتَقْدِيمُهَا أَفْضَلُ. رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ:«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، ثُمَّ رَكِبَ» وَرَوَيَا أَيْضًا وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ:«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ». وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ:«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ». وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ مُعَاذٍ:«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَإِنْ ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ، ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا» وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ مَحْفُوظٌ، وَدَلِيلُ الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ إطْلَاقُ السَّفَرِ فِي الْأَحَادِيثِ. وَالرَّاجِحُ قَيَّدَهُ بِالطَّوِيلِ كَمَا فِي الْقَصْرِ بِجَامِعِ الرُّخْصَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ وَلَا جَمْعُ الصُّبْحِ إلَى غَيْرِهَا وَلَا الْعَصْرِ إلَى الْمَغْرِبِ. (وَشُرُوطُ التَّقْدِيمِ ثَلَاثَةٌ الْبُدَاءَةُ بِالْأُولَى) لِأَنَّ الْوَقْتَ لَهَا وَالثَّانِيَةُ تَبَعٌ فَلَوْ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ يَصِحَّ، وَيُعِيدُهَا بَعْدَ الظُّهْرِ. وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ (فَلَوْ صَلَّاهُمَا) مُبْتَدِئًا بِالْأُولَى (فَبَانَ فَسَادُهَا) بِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ (فَسَدَتْ الثَّانِيَةُ) أَيْضًا لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا مِنْ الْبُدَاءَةِ بِالْأُولَى لِفَسَادِهَا (وَنِيَّةُ الْجَمْعِ) لِيَتَمَيَّزَ التَّقْدِيمُ الْمَشْرُوعُ عَنْ التَّقْدِيمِ سَهْوًا (وَمَحَلُّهَا) الْفَاضِلُ (أَوَّلُ الْأُولَى وَيَجُوزُ فِي أَثْنَائِهَا فِي الْأَظْهَرِ) لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ. وَالثَّانِي لَا. كَالْقَصْرِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ مَعَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا فِي الْأَصَحِّ (وَالْمُوَالَاةُ بِأَنْ لَا يَطُولَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ فَإِنْ طَالَ وَلَوْ بِعُذْرٍ) كَالسَّهْوِ وَالْإِغْمَاءِ (وَجَبَ تَأْخِيرُ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِهَا، وَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ وَيُعْرَفُ طُولُهُ) وَقِصَرُهُ (بِالْعُرْفِ) وَمِنْ الْيَسِيرِ قَدْرُ الْإِقَامَةِ. رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أُسَامَةَ:«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَالَى بَيْنَهُمَا وَتَرَكَ الرَّوَاتِبَ بَيْنَهُمَا وَأَقَامَ الصَّلَاةَ بَيْنَهُمَا». (وَلِلْمُتَيَمِّمِ الْجَمْعُ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ طَلَبٍ خَفِيفٍ) وَالتَّيَمُّمُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ وَالْمَانِعُ يَقُولُ تَخَلُّلُ ذَلِكَ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ يُطَوِّلُ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: لَوْ صَلَّى بَيْنَهُمَا رَكْعَتَيْنِ سُنَّةً رَاتِبَةً بَطَلَ الْجَمْعُ. (وَلَوْ جَمَعَ) بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (ثُمَّ عَلِمَ) بَعْدَ فَرَاغِهِمَا (تَرْكَ رُكْنٍ مِنْ الْأُولَى بَطَلَتَا) الْأُولَى لِتَرْكِ الرُّكْنِ وَتَعَذُّرِ التَّدَارُكِ بِطُولِ الْفَصْلِ، وَالثَّانِيَةُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا مِنْ الِابْتِدَاءِ بِالْأُولَى لِبُطْلَانِهَا. (وَيُعِيدُهُمَا جَامِعًا) إنْ شَاءَ (أَوْ) عَلِمَ تَرْكَهُ (مِنْ الثَّانِيَةِ فَإِنْ لَمْ يَطُلْ) الْفَصْلُ (تَدَارَكَ) وَصَحَّتَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ طَالَ (فَبَاطِلَةٌ وَلَا جَمْعَ) لِطُولِ الْفَصْلِ بِهَا فَيُعِيدُهَا فِي وَقْتِهَا (وَلَوْ جَهِلَ) أَيْ لَمْ يَدْرِ أَنَّ التَّرْكَ مِنْ الْأُولَى أَمْ مِنْ الثَّانِيَةِ (أَعَادَهُمَا لِوَقْتَيْهِمَا) رِعَايَةً لِلِاحْتِمَالَيْنِ إذْ بِاحْتِمَالِ التَّرْكِ مِنْ الْأُولَى يَبْطُلَانِ وَبِاحْتِمَالِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى عُلِمَتْ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَذَكَرْت هُنَا مَبْدَأً لِلتَّقْسِيمِ (وَإِذَا أَخَّرَ الْأُولَى) إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ (لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ) بَيْنَهُمَا (وَالْمُوَالَاةُ وَنِيَّةُ الْجَمْعِ) فِي الْأُولَى (عَلَى الصَّحِيحِ) وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَالثَّانِي يَجِبُ ذَلِكَ كَمَا فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوَقْتَ فِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ لِلثَّانِيَةِ وَالْأُولَى تَبَعٌ لَهَا عَلَى خِلَافِهِ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ فَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ، وَإِذَا انْتَفَى انْتَفَتْ الْمُوَالَاةُ وَنِيَّةُ الْجَمْعِ وَعَلَى الثَّانِي لَوْ أَخَلَّ بِالتَّرْتِيبِ أَوْ أَتَى بِهِ وَأَخَلَّ بِالْمُوَالَاةِ أَوْ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ، صَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً يَمْتَنِعُ قَصْرُهَا فِي وَجْهٍ تَقَدَّمَ. (وَيَجِبُ كَوْنُ التَّأْخِيرِ) إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ (بِنِيَّةِ الْجَمْعِ) قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الْأُولَى بِزَمَنٍ لَوْ اُبْتُدِئَتْ فِيهِ كَانَتْ أَدَاءً نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْأَصْحَابِ. وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْهُمْ بِزَمَنٍ يَسَعُهَا أَوْ أَكْثَرَ وَهُوَ مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَدَاءِ فِي الرَّوْضَةِ الْأَدَاءُ الْحَقِيقِيُّ بِأَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ الصَّلَاةِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ بِرَكْعَةٍ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ: وَالْبَاقِي بَعْدَهُ فَتَسْمِيَتُهُ أَدَاءً بِتَبَعِيَّةِ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ لِمَا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ أَخَّرَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْجَمْعِ أَوْ بِنِيَّتِهِ فِي زَمَنٍ لَا تَكُونُ الصَّلَاةُ فِيهِ أَدَاءً عَلَى مَا ذَكَرَ (فَيَعْصِي وَتَكُونُ قَضَاءً) يَمْتَنِعُ قَصْرُهَا فِي وَجْهٍ تَقَدَّمَ. (وَلَوْ جَمَعَ تَقْدِيمًا) بِأَنْ صَلَّى الْأُولَى فِي وَقْتِهَا نَاوِيًا الْجَمْعَ (فَصَارَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) أَوْ فِي الْأُولَى كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ (مُقِيمًا) بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَوْ بِانْتِهَاءِ السَّفِينَةِ إلَى مَقْصِدِهِ (بَطَلَ الْجَمْعُ) لِزَوَالِ الْعُذْرِ فَيَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِهَا وَلَا تَتَأَثَّرُ الْأُولَى بِمَا اتَّفَقَ (وَفِي الثَّانِيَةِ وَبَعْدَهَا) لَوْ صَارَ مُقِيمًا (لَا يَبْطُلُ) الْجَمْعُ (فِي الْأَصَحِّ) لِانْعِقَادِهَا أَوْ تَمَامِهَا قَبْلَ زَوَالِ الْعُذْرِ، وَالثَّانِي يَقُولُ هِيَ مُعَجَّلَةٌ عَلَى وَقْتِهَا لِلْعُذْرِ وَقَدْ زَالَ الْعُذْرُ قَبْلَهُ وَأَدْرَكَهُ الْمُصَلِّي فَلْيُعِدْهَا فِيهِ. (أَوْ) جَمَعَ (تَأْخِيرًا فَأَقَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا لَمْ يُؤَثِّرْ) مَا ذَكَرَ لِتَمَامِ الرُّخْصَةِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ (وَقَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ فَرَاغِهِمَا (يَجْعَلُ الْأُولَى قَضَاءً) لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلثَّانِيَةِ فِي الْأَدَاءِ لِلْعُذْرِ، وَقَدْ زَالَ قَبْلَ تَمَامِهَا، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إذَا أَقَامَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُولَى أَدَاءً. (وَيَجُوزُ الْجَمْعُ) بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (بِالْمَطَرِ تَقْدِيمًا) لِلْمُقِيمِ بِشُرُوطِ التَّقْدِيمِ السَّابِقَةِ. رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ:«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا جَمِيعًا وَثَمَانِيًا جَمِيعًا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ». وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ«مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ». قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ بِعُذْرِ الْمَطَرِ (وَالْجَدِيدُ مَنَعَهُ تَأْخِيرًا) لِأَنَّ الْمَطَرَ قَدْ يَنْقَطِعُ قَبْلَ أَنْ يَجْمَعَ وَالْقَدِيمُ جَوَازُهُ كَمَا فِي الْجَمْعِ بِالسَّفَرِ فَيُصَلِّي الْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا سَوَاءٌ اتَّصَلَ الْمَطَرُ أَمْ انْقَطَعَ قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ. وَفِي التَّهْذِيبِ إذَا انْقَطَعَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ، وَيُصَلِّي الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا (وَشَرْطُ التَّقْدِيمِ وُجُودُهُ) أَيْ الْمَطَرِ (أَوَّلُهُمَا) أَيْ الصَّلَاتَيْنِ لِيُقَارِنَ الْجَمْعُ الْعُذْرَ (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهُ عِنْدَ سَلَامِ الْأُولَى) أَيْضًا لِيَتَّصِلَ بِأَوَّلِ الثَّانِيَةِ. وَلَا يَضُرُّ انْقِطَاعُهُ فِي أَثْنَاءِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَسَوَاءٌ قَوِيُّ الْمَطَرِ وَضَعِيفُهُ إذَا بَلَّ الثَّوْبَ (وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ كَمَطَرٍ إنْ ذَابَا) لِبَلِّهِمَا الثَّوْبَ فَإِنْ لَمْ يَذُوبَا فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِهِمَا (وَالْأَظْهَرُ تَخْصِيصُ الرُّخْصَةِ بِالْمُصَلِّي جَمَاعَةً بِمَسْجِدٍ بَعِيدٍ يَتَأَذَّى بِالْمَطَرِ فِي طَرِيقِهِ) بِخِلَافِ مَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً، أَوْ يَمْشِي إلَى الْمَسْجِدِ فِي كِنٍّ أَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ بِبَابِ دَارِهِ فَلَا يَتَرَخَّصُ لِانْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ كَغَيْرِهِ عَنْهُ. وَالثَّانِي يَتَرَخَّصُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ. وَقَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ هُوَ لَفْظُ الْمُحَرَّرِ وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَصَحُّ. وَقِيلَ الْأَظْهَرُ تَبَعًا لِأَصْلِهَا.. باب صلاة الجمعة: بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِهَا هِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْخَمْسِ فِي الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ، وَتَخْتَصُّ بِاشْتِرَاطِ أُمُورٍ فِي لُزُومِهَا وَأُمُورٍ فِي صِحَّتِهَا، وَالْبَابُ مَعْقُودٌ لِذَلِكَ مَعَ آدَابٍ تُشْرَعُ فِيهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ (إنَّمَا تَتَعَيَّنُ) أَيْ تَجِبُ وُجُوبَ عَيْنٍ. وَقِيلَ: وُجُوبُهَا وُجُوبُ كِفَايَةٍ (عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (حُرٍّ ذَكَرٍ مُقِيمٍ بِلَا مَرَضٍ وَنَحْوِهِ) فَلَا جُمْعَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ بِخِلَافِ السَّكْرَانِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا ظُهْرًا كَغَيْرِهَا وَلَا عَلَى عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَمُسَافِرٍ وَمَرِيضٍ لِحَدِيثِ«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إلَّا امْرَأَةٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ مَرِيضٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيَّ وَغَيْرُهُ وَأُلْحِقَ بِالْمَرْأَةِ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَتَى فَلَا يَلْزَمُهُ، وَبِالْمَرِيضِ نَحْوُهُ وَشَمِلَهُمَا قَوْلُهُ (وَلَا جُمْعَةَ عَلَى مَعْذُورٍ بِمُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ) أَيْ يُتَصَوَّرُ فِي الْجُمُعَةِ وَتَقَدَّمَتْ الْمُرَخِّصَاتُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مِنْهَا الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ بِاللَّيْلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْجُمُعَةِ (وَالْمُكَاتَبُ) لَا جُمْعَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ (وَكَذَا مَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ) لَا جُمْعَةَ عَلَيْهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الرِّقِّ، وَالثَّانِي عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ الْوَاقِعَةُ فِي نَوْبَتِهِ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيِّدِ مُهَايَأَةٌ (وَمَنْ صَحَّتْ ظُهْرُهُ) مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ (صَحَّتْ جُمْعَتُهُ) لِأَنَّهَا تَصِحُّ لِمَنْ تَلْزَمُهُ فَلِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ أَوْلَى، وَتُجْزِئُهُ عَنْ الظُّهْرِ وَيُسْتَحَبُّ حُضُورُهَا لِلْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيَّ وَالْعَجُوزِ (وَلَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ الْجَامِعِ) قَبْلَ فِعْلِهَا (إلَّا الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ فَيَحْرُمُ انْصِرَافُهُ) قَبْلَ فِعْلِهَا (إنْ دَخَلَ الْوَقْتُ) قَبْلَ انْصِرَافِهِ (إلَّا أَنْ يَزِيدَ ضَرَرُهُ بِانْتِظَارِهِ) فِعْلَهَا فَيَجُوزُ انْصِرَافُهُ قَبْلَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَانِعَ فِي الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ مِنْ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ الْمَشَقَّةُ فِي حُضُورِ الْجَامِعِ وَقَدْ حَضَرُوا مُتَحَمِّلِينَ لَهَا، وَالْمَانِعُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ صِفَاتٌ قَائِمَةٌ بِهِمْ لَا تَزُولُ بِالْحُضُورِ (وَتَلْزَمُ الشَّيْخَ الْهَرِمَ وَالزَّمِنَ إنْ وَجَدَا مَرْكَبًا) مِلْكًا أَوْ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ (وَلَمْ يَشُقَّ الرُّكُوبُ) عَلَيْهِمَا (وَالْأَعْمَى يَجِدُ قَائِدًا) مُتَبَرِّعًا أَوْ بِأُجْرَةٍ أَوْ مِلْكًا لَهُ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ قَبْلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْمَشْيَ بِالْعَصَا مِنْ غَيْرِ قَائِدٍ لَزِمَهُ. (وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ إنْ كَانَ فِيهِمْ جَمْعٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ) وَهُوَ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ بَلَغَهُمْ صَوْتٌ عَالٍ فِي هُدُوٍّ) لِلْأَصْوَاتِ وَالرِّيَاحِ (مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِمْ لِبَلَدِ الْجُمُعَةِ لَزِمَتْهُمْ وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ وَلَا بَلَغَهُمْ الصَّوْتُ الْمَذْكُورُ (فَلَا) تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ لِلْأُولَى. وَيَدُلُّ لِلثَّانِيَةِ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد«الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ»، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ سَمَاعُ مَنْ أَصْغَى إلَيْهِ وَلَمْ يُجَاوِزْ سَمْعُهُ حَدَّ الْعَادَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَلُفَّ الْمُنَادِي عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ كَمَنَارَةٍ أَوْ سُوَرٍ، وَلَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ. وَلَوْ كَانَتْ قَرْيَةً عَلَى قِمَّةِ جَبَلٍ يَسْمَعُ أَهْلُهَا النِّدَاءَ لِعُلُوِّهَا وَلَوْ كَانَتْ عَلَى اسْتِوَاءِ الْأَرْضِ مَا سَمِعُوا أَوْ كَانَتْ فِي وَهْدَةٍ مِنْ الْأَرْضِ لَا يَسْمَعُ أَهْلُهَا النِّدَاءَ لِانْخِفَاضِهَا وَلَوْ كَانَتْ عَلَى اسْتِوَاءٍ لَسَمِعُوهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ فِي الْأُولَى وَتَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ اعْتِبَارًا بِتَقْدِيرِ الِاسْتِوَاءِ. وَالثَّانِي وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَكْسُ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِنَفْسِ السَّمَاعِ وَعَدَمِهِ (وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ) الْجُمُعَةُ بِأَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا (السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ) لِتَفْوِيتِهَا بِهِ (إلَّا أَنْ تُمْكِنَهُ الْجُمُعَةُ فِي طَرِيقِهِ) أَوْ مَقْصِدِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ (أَوْ يَتَضَرَّرُ بِتَخَلُّفِهِ) لَهَا (عَنْ الرُّفْقَةِ) بِأَنْ يَفُوتَهُ السَّفَرُ مَعَهُمْ أَوْ يَخَافُ فِي لُحُوقِهِمْ بَعْدَهَا (وَقَبْلُ الزَّوَالِ كَبَعْدِهِ) فِي الْحُرْمَةِ (فِي الْجَدِيدِ) وَالْقَدِيمِ لَا لِعَدَمِ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَعُورِضَ بِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى الْيَوْمِ، وَلِذَلِكَ يَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهَا قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ، وَقَيَّدَ التَّشْبِيهَ الْمُفْهِمَ لِلْحُرْمَةِ بِقَوْلِهِ (إنْ كَانَ سَفَرًا مُبَاحًا) أَيْ كَالسَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ (وَإِنْ كَانَ طَاعَةً) وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا كَالسَّفَرِ لِلْحَجِّ بِقِسْمَيْهِ (جَازَ) قَطْعًا (قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّ الطَّاعَةَ كَالْمُبَاحِ) فَيَحْرُمُ فِي الْجَدِيدِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مَحْكِيَّةٌ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَرَجَّحَهَا فِيهَا أَيْضًا أَمَّا السَّفَرُ لِطَاعَةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ فَفِي الرَّوْضَةِ لَا يَجُوزُ، وَفِي أَصْلِهَا الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ وَيُوَافِقُهُمَا إطْلَاقُ الْمِنْهَاجِ الْحُرْمَةَ كَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَمَا فِي نُسَخِ الْمُحَرَّرِ مِنْ تَقْيِيدِهَا بِالْمُبَاحِ مِنْ غَلَطِ النُّسَّاخِ بِتَقْدِيمِ الشَّرْطِ عَلَى مَحَلِّهِ (وَمَنْ لَا جُمْعَةَ عَلَيْهِمْ) وَهُمْ بِبَلَدِ الْجُمُعَةِ (تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِي ظُهْرِهِمْ) وَقْتَهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الْجَمَاعَةِ. وَالثَّانِي لَا تُسَنُّ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ شِعَارًا الْجُمُعَةُ فَإِنْ كَانُوا بِغَيْرِ بَلَدِ الْجُمُعَةِ سُنَّتْ لَهُمْ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَيُخْفُونَهَا) اسْتِحْبَابًا (إنْ خَفِيَ عُذْرُهُمْ) لِئَلَّا يُتَّهَمُوا بِالرَّغْبَةِ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَلَا يُسْتَحَبُّ الْإِخْفَاءُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ (وَيُنْدَبُ لِمَنْ أَمْكَنَ زَوَالُ عُذْرِهِ) قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ كَالْعَبْدِ يَرْجُو الْعِتْقَ وَالْمَرِيضِ يَتَوَقَّعُ الْخِفَّةَ (تَأْخِيرُ ظُهْرِهِ إلَى الْيَأْسِ مِنْ) إدْرَاكِ (الْجُمُعَةِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَزُولُ عُذْرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَأْتِي بِهَا كَامِلًا، وَيَحْصُلُ الْيَأْسُ بِرَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ (وَ) يُنْدَبُ (لِغَيْرِهِ) أَيْ لِمَنْ لَا يُمْكِنُ زَوَالُ عُذْرِهِ (كَالْمَرْأَةِ وَالزَّمِنِ تَعْجِيلُهَا) أَيْ الظُّهْرِ لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ: هَذَا اخْتِيَارُ الخراسانيين وَهُوَ الْأَصَحُّ.وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: يُسْتَحَبُّ لَهُ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَطُ لَهَا، وَلِأَنَّهَا صَلَاةُ الْكَامِلِينَ فَاسْتُحِبَّ كَوْنُهَا الْمُقَدَّمَةَ قَالَ: وَالِاخْتِيَارُ التَّوَسُّطُ فَيُقَالُ إنْ كَانَ هَذَا الشَّخْصُ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ تَقْدِيمُ الظُّهْرِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ تَمَكَّنَ أَوْ نَشِطَ حَضَرَهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّأْخِيرُ (وَلِصِحَّتِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (مَعَ شَرْطِ غَيْرِهَا) مِنْ الْخَمْسِ أَيْ كُلُّ شَرْطٍ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ (شُرُوطٌ) خَمْسَةٌ (أَحَدُهَا وَقْتُ الظُّهْرِ) بِأَنْ تُفْعَلَ كُلُّهَا فِيهِ. رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ»، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ:«كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتْبَعُ الْفَيْءَ» (فَلَا تُقْضَى) إذَا فَاتَتْ (جُمْعَةً) بَلْ تُقْضَى ظُهْرًا (فَلَوْ ضَاقَ) الْوَقْتُ (عَنْهَا) بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسْعَ خُطْبَتَيْنِ وَرَكْعَتَيْنِ يُقْتَصَرُ فِيهِمَا عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ (صَلَّوْا ظُهْرًا وَلَوْ خَرَجَ) الْوَقْتُ (وَهُمْ فِيهَا وَجَبَ الظُّهْرُ بِنَاءً) عَلَى مَا فَعَلَ مِنْهَا فَيُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ حِينَئِذٍ (وَفِي قَوْلٍ اسْتِئْنَافًا) فَيَنْوِي الظُّهْرَ حِينَئِذٍ وَيَنْقَلِبُ مَا فَعَلَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ نَفْلًا أَوْ يَبْطُلُ قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْأَوَّلُ: وَلَوْ شَكَّ هَلْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِيهَا أَتَمُّوهَا جُمْعَةً لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَقْتِ. وَقِيلَ: ظُهْرًا عَوْدًا إلَى الْأَصْلِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي شَرْطِ الْجُمُعَةِ هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ الْمُوَافِقَيْنِ (وَالْمَسْبُوقُ) الْمُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً (كَغَيْرِهِ) فِي أَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ سَلَامِهِ يُتِمُّ صَلَاتَهُ ظُهْرًا. (وَقِيلَ: يُتِمُّهَا جُمْعَةً) لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِجُمْعَةٍ صَحِيحَةٍ (الثَّانِي) مِنْ الشُّرُوطِ (أَنْ تُقَامَ فِي خِطَّةِ أَبْنِيَةِ أَوْطَانِ الْمُجَمِّعِينَ) لِأَنَّهَا لَمْ تُقَمْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إلَّا فِي مَوَاضِعِ الْإِقَامَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَهِيَ مَا ذُكِرَ، سَوَاءٌ فِيهِ الْمَسْجِدُ وَالدَّارُ وَالْفَضَاءُ بِخِلَافِ الصَّحْرَاءِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَبْنِيَةُ مِنْ حَجَرٍ أَمْ طِينٍ أَمْ خَشَبٍ وَلَوْ انْهَدَمَتْ أَبْنِيَةُ الْبَلْدَةِ أَوْ الْقَرْيَةِ فَأَقَامَ أَهْلُهَا عَلَى الْعِمَارَةِ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ فِيهَا لِأَنَّهَا وَطَنُهُمْ وَسَوَاءٌ كَانُوا فِي مَظَالَّ أَمْ لَا (وَلَوْ لَازِمَ أَهْلُ الْخِيَامِ الصَّحْرَاءَ) أَيْ مَوْضِعًا مِنْهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ. (أَبَدًا فَلَا جُمْعَةَ) عَلَيْهِمْ (فِي الْأَظْهَرِ) إذْ لَيْسَ لَهُمْ أَبْنِيَةُ الْمُسْتَوْطِنِينَ فَلَا تَصِحُّ جُمْعَتُهُمْ فَلَا تَلْزَمُهُمْ. وَالثَّانِي: تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ فِي مَوْضِعِهِمْ لِأَنَّهُمْ اسْتَوْطَنُوهُ وَلَوْ لَمْ يُلَازِمُوهُ أَبَدًا بِأَنْ انْتَقَلُوا عَنْهُ فِي الشِّتَاءِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا جُمْعَةَ عَلَيْهِمْ جَزْمًا. وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ فِي مَوْضِعِهِمْ وَعَلَى الْأَظْهَرِ فِي الْأَوْلَى لَوْ سَمِعُوا النِّدَاءَ مِنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ (لَزِمَتْهُمْ الثَّالِثُ) مِنْ الشُّرُوطِ (أَنْ لَا يَسْبِقَهَا وَلَا يُقَارِنَهَا جُمْعَةٌ فِي بَلْدَتِهَا) لِامْتِنَاعِ تَعَدُّدِهَا فِي الْبَلْدَةِ إذْ لَمْ تُفْعَلْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْبَلْدَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ (إلَّا إذَا كَبِرَتْ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَانٍ) وَاحِدٍ فَيَجُوزُ تَعَدُّدُهَا حِينَئِذٍ (وَقِيلَ لَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ) وَيُتَحَمَّلُ فِيهَا الْمَشَقَّةُ فِي الِاجْتِمَاعِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ. (وَقِيلَ: إنْ حَالَ نَهَرٌ عَظِيمٌ بَيْنَ شِقَّيْهَا) كَبَغْدَادَ (كَانَا) أَيْ الشِّقَّانِ (كَبَلَدَيْنِ) فَيُقَامُ فِي كُلِّ شِقٍّ جُمْعَةٌ (وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ) الْبَلْدَةُ (قُرًى فَاتَّصَلَتْ) أَبْنِيَتُهَا (تَعَدَّدَتْ الْجُمُعَةُ بِعَدَدِهَا) فَيُقَامُ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ جُمْعَةٌ كَمَا كَانَ وَمَنْشَأُ هَذَا الْخِلَافِ سُكُوتُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ عَلَى إقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ بِهَا. وَقِيلَ: ثَلَاثٍ فَقَالَ الْأَوَّلُ الْأَصَحُّ سَكْتُهُ لِعُسْرِ الِاجْتِمَاعِ فِي مَكَانٍ. وَالثَّانِي لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُنْكِرُ عَلَى مُجْتَهِدٍ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالتَّعَدُّدِ وَالثَّالِثُ لِحَيْلُولَةِ النَّهَرِ وَالرَّابِعُ لِأَنَّهَا كَانَتْ قُرًى فَاتَّصَلَتْ (فَلَوْ سَبَقَتْ جُمْعَةٌ) وَالْبِنَاءُ عَلَى امْتِنَاعِ التَّعَدُّدِ (فَالصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ) مُطْلَقًا (وَفِي قَوْلٍ إنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الثَّانِيَةِ فَهِيَ الصَّحِيحَةُ) حَذَرًا مِنْ التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ وَمِنْ تَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ عَلَى أَكْثَرِ أَهْلِ الْبَلَدِ الْمُصَلِّينَ مَعَهُ بِإِقَامَةِ الْأَقَلِّ (وَالْمُعْتَبَرُ سَبْقُ التَّحَرُّمِ) وَهُوَ بِآخِرِ التَّكْبِيرِ. وَقِيلَ: بِأَوَّلِهِ (وَقِيلَ) سَبْقُ (التَّحَلُّلِ وَقِيلَ) السَّبْقُ (بِأَوَّلِ الْخُطْبَةِ) نَظَرًا إلَى أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بِمَثَابَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ فِي الْجُمُعَةِ فَأُخْبِرُوا أَنَّ طَائِفَةً سَبَقَتْهُمْ بِهَا اُسْتُحِبَّ لَهُمْ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ، وَلَهُمْ إتْمَامُ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا كَمَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِيهَا. (فَلَوْ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ شُكَّ) فِي الْمَعِيَّةِ (اُسْتُؤْنِفَتْ الْجُمُعَةُ) بِأَنْ وَسِعَهَا الْوَقْتُ لِتَدَافُعِ الْجُمُعَتَيْنِ فِي الْمَعِيَّةِ فَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ عَدَمُ جُمْعَةٍ مُجْزِئَةٍ وَبَحَثَ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا تَقَدُّمُ إحْدَى الْجُمُعَتَيْنِ، فَلَا تَصِحُّ جُمْعَةٌ أُخْرَى فَيَنْبَغِي لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُمْ بِيَقِينٍ أَنْ يُصَلُّوا بَعْدَهَا الظُّهْرَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ (وَإِنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تَتَعَيَّنْ) كَأَنْ سَمِعَ مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَنَّ خَارِجَ الْمَسْجِدِ تَكْبِيرَتَيْنِ مُتَلَاحِقَتَيْنِ فَأُخْبِرَا بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفَا الْمُتَقَدِّمَ مِنْهُمَا (أَوْ تَعَيَّنَتْ وَنَسِيَتْ صَلَّوْا ظُهْرًا) لِالْتِبَاسِ الصَّحِيحَةِ بِالْفَاسِدَةِ (وَفِي قَوْلٍ جُمْعَةً) وَالِالْتِبَاسُ يَجْعَلُ الصَّحِيحَةَ كَالْعَدَمِ. وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَرْجِيحُ طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ فِي الثَّانِيَةِ بِالْأَوَّلِ. وَأَشَارَ فِي الْمُحَرَّرِ إلَى ذَلِكَ بِتَعْبِيرِهِ فِي الْأُولَى بِأَقْيَسِ الْقَوْلَيْنِ. وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْأَصَحِّ، وَلَوْ كَانَ السُّلْطَانُ فِي إحْدَى الْجُمُعَتَيْنِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ، وَقُلْنَا فِيمَا قَبْلَهَا إنَّ جُمْعَتَهُ هِيَ الصَّحِيحَةُ مَعَ تَأَخُّرِهَا فَهَاهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لِحُضُورِهِ. (الرَّابِعُ) مِنْ الشُّرُوطِ (الْجَمَاعَةُ) لِأَنَّهَا لَمْ تُفْعَلْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَّا كَذَلِكَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ (وَشَرْطُهَا) أَيْ الْجَمَاعَةِ فِيهَا (كَغَيْرِهَا) أَيْ كَشَرْطِهَا فِي غَيْرِهَا كَنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَالْعِلْمِ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ وَعَدَمِ التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْجَمَاعَةِ (وَ) زِيَادَةٌ (أَنْ تُقَامَ بِأَرْبَعِينَ مُكَلَّفًا حُرًّا ذَكَرًا) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا» وَالصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ الْإِقَامَةِ الدَّاخِلَةِ فِي الِاسْتِيطَانِ تَقَدَّمَ اعْتِبَارُهَا فِي الْوُجُوبِ، وَاعْتُبِرَتْ هُنَا فِي الِانْعِقَادِ (مُسْتَوْطِنًا) بِمَحَلِّ الْجُمُعَةِ الْمَعْلُومِ مِنْ الشَّرْطِ الثَّانِي (لَا يَظْعَنُ) عَنْهُ (شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُجَمِّعْ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ مَعَ عَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ أَيَّامًا لِعَدَمِ الِاسْتِيطَانِ، وَكَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ فِيهَا يَوْمَ جُمْعَةٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ تَقْدِيمًا كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ. (وَالصَّحِيحُ انْعِقَادُهَا بِأَرْبَعِينَ) وَتَنْعَقِدُ بِالْمَرْضَى لِكَمَالِهِمْ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ تَخْفِيفٌ. وَالثَّانِي لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ كَالْمُسَافِرِينَ. وَحَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا قَوْلًا (وَأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ) وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ لِإِشْعَارِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ بِزِيَادَتِهِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ وَحَكَى الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ أَيْضًا ثَانِيهِمَا قَدِيمٌ (وَلَوْ انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ) الْحَاضِرُونَ (أَوْ بَعْضُهُمْ فِي الْخُطْبَةِ فَلَمْ يُحْسَبْ الْمَفْعُولُ) مِنْ أَرْكَانِهَا (فِي غَيْبَتِهِمْ) لِعَدَمِ سَمَاعِهِمْ لَهُ الْمُشْتَرَطِ كَمَا سَيَأْتِي (وَيَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى) مِنْهَا (إنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ) وَمَرْجِعُهُ الْعُرْفُ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَكَذَا بِنَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ إنْ انْفَضُّوا بَيْنَهُمَا) أَيْ يَجُوزُ إنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ (فَإِنْ عَادُوا بَعْدَ طُولِهِ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ) فِيهِمَا لِلْخُطْبَةِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِانْتِفَاءِ الْمُوَالَاةِ فِي ذَلِكَ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُمْ فِيهَا، وَالثَّانِي يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِي ذَلِكَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَهُ (وَإِنْ انْفَضُّوا) أَيْ الْأَرْبَعُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ (فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ) نَظَرًا إلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي دَوَامِهَا كَالْوَقْتِ فَيُتِمُّهَا مَنْ بَقِيَ ظُهْرًا (وَفِي قَوْلٍ لَا) تَبْطُلُ (إنْ بَقِيَ اثْنَانِ) مَعَ الْإِمَامِ اكْتِفَاءً بِدَوَامِ مُسَمَّى الْجَمْعِ. وَفِي قَدِيمٍ يَكْفِي وَاحِدٌ مَعَهُ اكْتِفَاءً بِدَوَامِ مُسَمَّى الْجَمَاعَةِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ صِفَةُ الْكَمَالِ فِي الصَّحِيحِ. وَفِي رَابِعٍ مُخَرَّجٍ لَهُ إتْمَامُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ أَحَدٌ وَفِي خَامِسٍ مُخَرَّجٍ إنْ كَانَ الِانْفِضَاضُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَطَلَتْ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا وَيُتِمُّ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ وَحْدَهُ. وَكَذَا مَنْ مَعَهُ إنْ بَقِيَ أَحَدٌ كَمَا فِي الْمَسْبُوقِ الْمُدْرِكِ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ يُتِمُّهَا. (تَتِمَّةٌ) لَوْ لَحِقَ أَرْبَعُونَ قَبْلَ انْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ تَمَّتْ بِهِمْ الْجُمُعَةُ. وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا سَمِعُوا الْخُطْبَةَ.وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا يَمْتَنِعُ عِنْدِي اشْتِرَاطُ بَقَاءِ أَرْبَعِينَ سَمِعُوهَا فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا اللَّاحِقُونَ لَا تَسْتَمِرُّ الْجُمُعَةُ، وَلَوْ لَحِقَ أَرْبَعُونَ عَلَى الِاتِّصَالِ بِانْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ قَالَ فِي الْوَسِيطِ: تَسْتَمِرُّ الْجُمُعَةُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا سَمِعُوا الْخُطْبَةَ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَ (وَتَصِحُّ) الْجُمُعَةُ (خَلْفَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ) أَيْ خَلْفَ كُلٍّ مِنْهُمْ (فِي الْأَظْهَرِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ) لِصِحَّتِهَا مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُمْ. وَالثَّانِي يَقُولُ الْإِمَامُ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْكَمَالِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْخِلَافُ فِي الصَّبِيِّ قَوْلَانِ وَفِي الْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ وَجْهَانِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ بِأَوَّلِهِمَا وَرَجَّحَ الْقَطْعَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَزَادَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلَانِ وَلَوْ صَلَّيَا ظُهْرَ يَوْمِهِمَا قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَفِي صِحَّتِهَا خَلْفَهُمَا الْقَوْلَانِ فِي صِحَّتِهَا خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ الَّذِي تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ أَظْهَرُهُمَا الصِّحَّةُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ جَزْمًا (وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا صَحَّتْ جُمْعَتُهُمْ فِي الْأَظْهَرِ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ) كَغَيْرِهَا. وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي الْجُمُعَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَهِيَ لَا تَحْصُلُ بِالْإِمَامِ الْمُحْدِثِ، وَدُفِعَ هَذَا بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ حُصُولِهَا لِمَأْمُومِ الْجَاهِلِ بِحَالِهِ بَلْ تَحْصُلُ لَهُ وَيَنَالُ فَضِيلَتَهَا فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا. كَمَا قَالَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ نَظَرًا لِاعْتِقَادِهِ حُصُولَهَا. وَحَكَى فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِالْأَوَّلِ وَصَحَّحَهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ بِأَنْ تَمَّ بِهِ (فَلَا) تَصِحُّ جُمْعَتُهُمْ جَزْمًا (وَمَنْ لَحِقَ الْإِمَامَ الْمُحْدِثَ) أَيْ الَّذِي بَانَ حَدَثُهُ (رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا مَعَ الْبِنَاءِ عَلَى حُصُولِ الْجَمَاعَةِ بِالْإِمَامِ الْمُحْدِثِ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ لِعَدَمِ حُسْبَانِ صَلَاتِهِ لَا يَتَحَمَّلُ عَنْ الْمَسْبُوقِ الْقِرَاءَةَ، وَالثَّانِي تُحْسَبُ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ التَّحَمُّلِ. (الْخَامِسُ) مِنْ الشُّرُوطِ (خُطْبَتَانِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) لِلِاتِّبَاعِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: ثَبَتَتْ صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ خُطْبَتَيْنِ. وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا» (وَأَرْكَانُهُمَا خَمْسَةٌ حَمْدًا لِلَّهِ تَعَالَى) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ«كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ» الْحَدِيثَ (وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ مَا يَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ (وَلَفْظُهُمَا) أَيْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ (مُتَعَيِّنٌ) كَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فَيَكْفِي الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى) لِلِاتِّبَاعِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ:«أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى فِي خُطْبَتِهِ». (وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ غَرَضَهَا الْوَعْظُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِغَيْرِ لَفْظِهَا فَيَكْفِي أَطِيعُوا اللَّهَ. وَالثَّانِي وَقْفٌ مَعَ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ (وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانٌ فِي الْخُطْبَتَيْنِ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (وَالرَّابِعُ قِرَاءَةُ آيَةٍ فِي إحْدَاهُمَا) لَا بِعَيْنِهَا (وَقِيلَ فِي الْأُولَى وَقِيلَ فِيهِمَا) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (وَقِيلَ لَا تَجِبُ) فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَلْ تُسْتَحَبُّ، وَسَكَتُوا عَنْ مَحَلِّهِ وَيُقَاسُ بِمَحَلِّ الْوُجُوبِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، يُسْتَحَبُّ جَعْلُهَا فِي الْأُولَى. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ«يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ:{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ}» وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْخُطْبَةِ، وَذَلِكَ مُحْتَمِلٌ لِلْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَصَادِقٌ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا، وَفِي إحْدَاهُمَا فَقَطْ، وَعَيَّنَ الثَّانِي الْأُولَى لِتَكُونَ الْقِرَاءَةُ نَسِيَهَا فِي مُقَابَلَةِ الدُّعَاءِ فِي الثَّانِيَةِ وَحَكَى الْوُجُوبَ وَالِاسْتِحْبَابَ قَوْلَيْنِ أَيْضًا وَسَوَاءٌ فِي الْآيَةِ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالْحِكَمُ وَالْقِصَّةُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهَا مُفْهِمَةً فَلَا يَكْفِي ثُمَّ نَظَرَ وَإِنْ عُدَّ آيَةً وَلَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بِشَطْرِ آيَةٍ طَوِيلَةٍ. (وَالْخَامِسُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ دُعَاءٍ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ) كَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ (وَقِيلَ: لَا يَجِبُ) بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَحَكَى الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ أَيْضًا وَالْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِينَ الْجِنْسُ الشَّامِلُ لِلْمُؤْمِنَاتِ وَبِهِمَا عَبَّرَ فِي الْوَسِيطِ وَفِي التَّنْزِيلِ«وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ» قَالَ الْإِمَامُ وَأَرَى أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ مُتَعَلِّقًا بِأُمُورِ الْآخِرَةِ غَيْرَ مُقْتَصِرٍ عَلَى أَوْطَارَ الدُّنْيَا، وَأَنْ يُخَصَّصَ بِالسَّامِعِينَ كَأَنْ يَقُولَ: وَحَكَمَ اللَّهُ، أَمَّا الدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ بِخُصُوصِهِ فَفِي الْمُهَذَّبِ لَا يُسْتَحَبُّ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ مُحْدَثٌ. وَفِي شَرْحِهِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا كَرْهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُجَازَفَةٌ فِي وَصْفِهِ وَنَحْوِهَا وَيُسْتَحَبُّ بِالِاتِّفَاقِ الدُّعَاءُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ بِالصَّلَاحِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلِجُيُوشِ الْإِسْلَامِ. وَفِي الرَّوْضَةِ بَعْضُ ذَلِكَ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا) كُلِّهَا (عَرَبِيَّةً) كَمَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ. وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُصَلِّينَ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ خَطَبَ أَحَدُهُمْ بِلِسَانِهِ، وَيَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْخُطْبَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ إمْكَانِ التَّعَلُّمِ وَلَمْ يَتَعَلَّمْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ عَصَوْا كُلُّهُمْ بِذَلِكَ وَلَا جُمْعَةَ لَهُمْ بَلْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ. هَذَا مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ عَلَى الْبَعْضِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مِنْ أَنْ يَجِبَ أَنْ يَتَعَلَّمَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَتَعَلَّمُوا عَصَوْا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ: إنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ عَلَى الْجَمِيعِ، وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَسَقَطَتْ لَفْظَةُ كُلٍّ مِنْ بَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهَا ضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي لَمْ يَتَعَلَّمُوا وَمَعْنَاهُ انْتَفَى التَّعَلُّمُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَأَجَابَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ سُؤَالِ مَا فَائِدَةُ الْخُطْبَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا الْقَوْمُ بِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْعِلْمُ بِالْوَعْظِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِيمَا لَوْ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ وَلَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا أَنَّهَا تَصِحُّ. (مُرَتَّبَةَ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى) كَمَا ذَكَرْت مِنْ الْبُدَاءَةِ بِالْحَمْدِ ثُمَّ الصَّلَاةِ ثُمَّ الْوَصِيَّةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ، وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُ الْمُصَنِّفِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَلَا بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فَيَأْتِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ الدُّعَاءِ حَكَاهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَ) كَوْنُهَا بَعْدَ (الزَّوَالِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ:«كَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا». قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ: وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ مُتَّصِلًا بِالزَّوَالِ. وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَئِمَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ (وَالْقِيَامُ فِيهِمَا إنْ قَدَرَ وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا» فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَنِيبَ، وَلَوْ خَطَبَ قَاعِدًا جَازَ كَالصَّلَاةِ، وَيَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ سَوَاءٌ قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ أَمْ سَكَتَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا قَعَدَ لِعَجْزِهِ فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ قَادِرًا فَهُوَ كَمَا لَوْ بَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَتَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَلَوْ خَطَبَ قَاعِدًا لِعَجْزِهِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِالِاضْطِجَاعِ بَلْ بِسَكْتَةٍ وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْأَصَحِّ (وَإِسْمَاعُ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ) عَدَدُ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْإِمَامِ بِأَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ لِيَحْصُلَ وَعْظُهُمْ الْمَقْصُودُ بِالْخُطْبَةِ، فَلَوْ لَمْ يَسْمَعُوهَا لِبُعْدِهِمْ أَوْ إسْرَارِهِ لَمْ تَصِحَّ وَلَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ لَمْ تَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ وَالْمُشْتَرَطُ إسْمَاعُ أَرْكَانِهَا فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الِانْفِضَاضِ (وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْكَلَامُ) فِيهَا (وَيُسَنُّ الْإِنْصَاتُ) لَهَا وَالْقَدِيمُ يَحْرُمُ الْكَلَامُ، وَيَجِبُ الْإِنْصَاتُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى«وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا» ذُكِرَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ، وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَاسْتَدَلَّ لِلْأَوَّلِ بِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ«أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ ؟ فَأَوْمَأَ النَّاسُ إلَيْهِ بِالسُّكُوتِ فَلَمْ يَقْبَلْ. وَأَعَادَ الْكَلَامَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّالِثَةِ: مَاذَا أَعْدَدْت لَهَا ؟ قَالَ: حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ: إنَّك مَعَ مَنْ أَحْبَبْت»: وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْكَلَامَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ وُجُوبَ السُّكُوتِ. وَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَلَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ عَلَى الْخَطِيبِ قَطْعًا. وَقِيلَ بِطَرْدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ تَخْرِيجًا عَلَى أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بِمَثَابَةِ رَكْعَتَيْنِ أَوَّلًا. وَالْخِلَافُ فِي كَلَامٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مُهِمٌّ نَاجِزٌ فَأَمَّا إذَا رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي بِئْرٍ أَوْ عَقْرَبًا تَدُبُّ إلَى إنْسَانٍ فَأَنْذَرَهُ أَوْ عَلَّمَ إنْسَانًا شَيْئًا مِنْ الْخَيْرِ أَوْ نَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ فَهَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ قَطْعًا. وَيَجُوزُ لِلدَّاخِلِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَا لَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ مَكَانًا وَالْقَوْلَانِ بَعْدَ قُعُودِهِ وَعَلَى الْقَدِيمِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَلِّمَ فَإِنْ سَلَّمَ حَرُمَتْ إجَابَتُهُ، وَيَحْرُمُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا وَعَلَى الْجَدِيدِ يَجُوزَانِ قَطْعًا. وَيُسْتَحَبُّ التَّشْمِيتُ عَلَى الْأَصَحِّ وَصَحَّحَ الْبَغَوِيُّ وُجُوبَ رَدِّ السَّلَامِ وَوَافَقَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَصَرَّحَ فِيهِ بِكَرَاهَةِ السَّلَامِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَحَيْثُ حَرُمَ الْكَلَامُ لَا تَبْطُلُ بِهِ جُمْعَةُ الْمُتَكَلِّمِ قَطْعًا هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ وَإِنْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ. أَمَّا مَنْ لَا يَسْمَعُهَا لِبُعْدِهِ عَنْ الْإِمَامِ، وَزَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ السَّامِعِينَ فَفِيهِ عَلَى الْقَدِيمِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالذِّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ، وَأَصَحُّهُمَا يَحْرُمُ لِئَلَّا يُشَوِّشَ عَلَى السَّامِعِينَ. فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ السُّكُوتِ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْأَرْبَعِينَ السَّامِعِينَ لِلْخُطْبَةِ، وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ مِنْ الْكَامِلِينَ سَمِعُوهَا أَوْ لَا. وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْقَوْمِ (قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّ تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ (وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ الْمُوَالَاةِ وَطَهَارَةِ الْحَدَثِ) الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ (وَالْخَبَثِ) فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ (وَالسَّتْرِ) لِلْعَوْرَةِ فِي الْخُطْبَةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي الْجُمُعَةِ. وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ وَاحِدٌ مِمَّا ذُكِرَ فِيهَا. أَمَّا الْمُوَالَاةُ فَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْوَعْظِ بِدُونِهَا، وَأَمَّا الْبَاقِي فَلِشَبَهِ الْخُطْبَةِ بِالْأَذَانِ فَإِنَّهَا ذِكْرٌ يَتَقَدَّمُ الصَّلَاةَ وَعَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِيهَا لَوْ سَبَقَهُ حَدَثٌ لَمْ يَعْتَدَّ بِمَا يَأْتِي بِهِ مِنْهَا حَالَ الْحَدَثِ فَلَوْ تَطَهَّرَ وَعَادَ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ فِي الْأَصَحِّ. وَمَسْأَلَةُ السَّتْرِ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ مَذْكُورَةٌ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (وَتُسَنُّ) الْخُطْبَةُ (عَلَى مِنْبَرٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ عَلَيْهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (أَوْ) مَوْضِعٍ (مُرْتَفِعٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي بُلُوغِ صَوْتِ الْخَطِيبِ عَلَيْهِ النَّاسَ. وَيُسَنُّ كَوْنُ الْمِنْبَرِ عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ لِأَنَّ مِنْبَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَذَلِكَ أَيْ عَلَى يَمِينِ الْمُسْتَقْبِلِ لِلْمِحْرَابِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ (وَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) إذَا انْتَهَى إلَيْهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ أَيْ يُسَنُّ ذَلِكَ. (وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ إذَا صَعِدَ) الْمِنْبَرَ (وَيُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ وَيَجْلِسَ) بَعْدَ السَّلَامِ (ثُمَّ يُؤَذَّنَ) بِفَتْحِ الذَّالِ فِي حَالِ جُلُوسِهِ لِلِاتِّبَاعِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ رَوَى الْأَخِيرَ أَيْ التَّأْذِينَ حَالَ الْجُلُوسِ الْبُخَارِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَا قَبْلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَيَجْلِسُ وَيَشْتَغِلُ الْمُؤَذِّنُ بِالْأَذَانِ كَمَا جَلَسَ، وَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ وَالْمُرَادُ بِصُعُودِ الْمِنْبَرِ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنْ يَبْلُغَ فِي صُعُودِهِ الدَّرَجَةَ الَّتِي تَلِي مَوْضِعَ الْجُلُوسِ الْمُسَمَّى بِالْمُسْتَرَاحِ. وَفِي الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«كَانَ يَقِفُ عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ». قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ فِيهِ: وَيَلْزَمُ السَّامِعِينَ رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي الْمَرَّتَيْنِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالسَّلَامِ فِي بَاقِي الْمَوَاضِعِ (وَ) يُسَنُّ (أَنْ تَكُونَ) الْخُطْبَةُ (بَلِيغَةً) لَا مُبْتَذَلَةً رَكِيكَةً فَإِنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ (مَفْهُومَةً) أَيْ قَرِيبَةً مِنْ الْأَفْهَامِ لَا غَرِيبَةً وَحْشِيَّةً فَإِنَّهَا لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ. (قَصِيرَةً) لِأَنَّ الطَّوِيلَةَ تُمِلُّ. وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ:«أَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ». بِضَمِّ الصَّادِ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ كَالْوَجِيزِ مَائِلَةٌ إلَى الْقِصَرِ أَيْ مُتَوَسِّطَةٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:«كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا». أَيْ مُتَوَسِّطَةً (وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَ) لَا (شِمَالًا فِي شَيْءٍ مِنْهَا) بَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ إلَى فَرَاغِهَا أَيْ يُسَنُّ ذَلِكَ، وَيُسَنُّ لَهُمْ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَيْهِ مُسْتَمِعِينَ لَهُ (وَيَعْتَمِدُ عَلَى سَيْفٍ أَوْ عَصًا وَنَحْوِهِ) رَوَى أَبُو دَاوُد: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ«قَامَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ». وَرُوِيَ أَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى سَيْفٍ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْقَوْسِ. وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ قَامَ بِالسِّلَاحِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى كَعَادَةِ مَنْ يُرِيدُ الضَّرْبَ بِالسَّيْفِ وَالرَّمْيَ بِالْقَوْسِ، وَيَشْغَلُ يَدَهُ الْيُمْنَى بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ جَعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ أَرْسَلَهُمَا وَلَا يَعْبَثُ بِهِمَا (وَيَكُونَ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ. (نَحْوَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ) أَيْ يُسَنُّ ذَلِكَ. وَقِيلَ يَجِبُ فَلَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْهُ (وَإِذَا فَرَغَ) مِنْ الْخُطْبَةِ (شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَبَادَرَ الْإِمَامُ لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ) مِنْ الْإِقَامَةِ فَيَشْرَعُ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَحْقِيقِ الْمُوَالَاةِ الَّتِي تَقَدَّمَ وُجُوبُهَا وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّزُولِ مِنْ الْمِنْبَرِ عَقِبَ فَرَاغِهَا وَيَأْخُذَ الْمُؤَذِّنُونَ فِي الْإِقَامَةِ، وَيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِ الْإِقَامَةِ انْتَهَى. فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِاسْتِحْبَابِ مَا ذُكِرَ هُنَا (وَيَقْرَأَ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ. (فِي الْأُولَى الْجُمُعَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ الْمُنَافِقِينَ جَهْرًا) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ:«كَانَ يَقْرَأُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْجَهْرِ». وَرَوَى هُوَ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ{سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وَ{هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: كَانَ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَهَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ فَهُمَا سُنَّتَانِ وَفِيهَا كَأَصْلِهَا لَوْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ فِي الْأُولَى قَرَأَهَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ قَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى قَرَأَ الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَةِ كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ.
|